VoyForums
[ Show ]
Support VoyForums
[ Shrink ]
VoyForums Announcement: Programming and providing support for this service has been a labor of love since 1997. We are one of the few services online who values our users' privacy, and have never sold your information. We have even fought hard to defend your privacy in legal cases; however, we've done it with almost no financial support -- paying out of pocket to continue providing the service. Due to the issues imposed on us by advertisers, we also stopped hosting most ads on the forums many years ago. We hope you appreciate our efforts.

Show your support by donating any amount. (Note: We are still technically a for-profit company, so your contribution is not tax-deductible.) PayPal Acct: Feedback:

Donate to VoyForums (PayPal):

Muhammad, the Prophet of God

Who is He?!

محمد رسول الله
صلى عليه الله و سلم
إذا ما سئلت في الغرب عن مصدر إعلامي حول سيرته

شبكة عجور الحاسوبية
Login ] [ Contact Forum Admin ] [ Main index ] [ Post a new message ] [ Search | Check update time | Archives: 12[3]4 ]

Subject: 1الصوفية في السياسة الأمريكية


Author:
No name
[ Next Thread | Previous Thread | Next Message | Previous Message ]
Date Posted: 12:58:45 03/21/08 Fri

مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
إدارة البحوث والدراسات- وحدة دراسات العالم الغربي


فهم الصوفية
واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية



أعد التقرير
توبياس هيلمستروف وياسمين سينر وإيميت توهي
Tobias Helmstrof, Yasmin Sener and Emmet Touhy

تحرير : زينو باران Zeyno Barab
تقرير مؤتمر صادر عن
مركز نيكسون ، مارس 2004م
واشنطن دي سي –الولايات المتحدة الأمريكية

ترجمة وتقديم
د.مازن مطبقاني


التعريف بمركز نيكسون
هو مركز لدراسة السياسات العامة ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي، أسسه الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون عام 1994م قبل وفاته بفترة قصيرة، وهو متخصص في تحليل التحديات والسياسات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التركيز على المصلحة الأمريكية القومية. والمركز قسم منفصل برامجياً ومستقل عن مكتبة ريتشارد نيكسون ومؤسسة مكان الولادة.
والبرامج الرئيسة لمركز نيكسون تضم برامج الدراسات الصينية والهجرة، ومنتدى الأمن القومي، وبرنامج الأمن الدولي، والطاقة وبرنامج الأمن القومي، وبرنامج الاستراتيجية الإقليمية وبرنامج العلاقات الأمريكية الروسية. والموضوعات التي تناقشها برامج المركز تضم العلاقات الأمريكية مع الصين ومع روسيا وكذلك مسائل الطاقة الجيوسياسية في الخليج الفارسي والبحر الأسود ومسائل الأمن الأوروبية. ويعتمد المركز على دعم من أوقاف مكتبة مركز نيسكون ومؤسسة مكان الولادة وكذلك من قبل التبرعات من المؤسسات والهيئات والأفراد.

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم
إن اهتمام مركز نيكسون للبحوث بالتصوف إنما هو امتداد للاهتمام الغربي عموماً ومراكز البحوث والدراسات والأقسام العلمية بالعالم الإسلامي. ويأتي ضمن هذا الاهتمام هذه الندوة التي عقدتها مركز نيكسون للبحوث لتقديم النصح والمشورة للإدارة الأمريكية في كيفية فهم التصوف وتفعيل دوره في السياسة الخارجية الأمريكية.
لقد شارك في الندوة عدد من الباحثين الغربيين المتخصصين في الإسلام وفي التصوف بصفة خاصة كما شارك بعض العلماء المسلمين ومنهم رشيد قباني أحد المنتمين للطريقة النقشبندية.
ماذا دار من حديث في هذه الندوة؟
لقد تحدثت فهدة بنت سعود بن عبد العزيز في مقالة لها نشرت بعد صدور تقرير الندوة بقليل عن الندوة مشيرة إلى أن المشاركين فيها لهم صلة بالإدارة الأمريكية وبخاصة المحافظين الجدد مثل ديك تشيني (نائب الرئيس) وبول وولفوتز (رئيس البنك الدولي الآن، ومساعد وزير الدفاع الأمريكي سابقاً) وضلوع بعضهم في الإساءة إلى الإسلام والمسلمين. وكان مما قالته في هذا الصدد": فالكاتب برنارد لويس, يعتبر من أشد الناس عداوة للإسلام من خلال كتاباته الناقدة والمستهدفة للإسلام. والشيخ محمد هشام قباني ساهم في تأسيس المجلس بهدف رسم مستقبل المسلمين في أمريكا وفي أرجاء العالم."( )
كما أشارت الباحثة إلى هدف الندوة بقولها: نجد أن المؤسسات الأكاديمية الغربية والمؤسسات الحكومية بدأت بالاهتمام أكثر وبشكل جدي بالصوفية وذلك للأسباب التالية: أولا: رغبة الغرب بإظهار الجانب السلبي (الاستلامي) في بعض طرق الصوفية وهم بذلك يحققون هدفين: الهدف الأول: تغريبه عن أصوله الصحيحة لأنهم يرون الإسلام الخالي من الشوائب هو القوة التي تعوق سيطرتهم على مصير الأمة الإسلامية بمقدراتها, ويحاولون تأصيل الروح الاستسلامية المنهزمة في نفس المسلم. الهدف الثاني: هو إعطاء صورة سلبية للإسلام لدى غير المسلمين لتشويه صورته حتى لا يدخلوا في الإسلام الصحيح"( )
لقد استعرض المشتركون معنى التصوف، وتاريخه، ومواقف الطرق الصوفية من الاحتلال الغربي لبعض البلاد الإسلامية وجهاد بعض الطرق الصوفية في القديم والحديث. وكان معظم الحديث يدور على الصوفية وتاريخها وواقعها المعاصر في آسيا الوسطى أو الجمهوريات التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي(سابقاً). وركز الحديث عن علاقة التصوف بما أطلق عليه الممنتدون "الوهابية". واختصروا الإسلام إلى فئتين لا ثالث لهما: التصوف والوهابية. وإن كان مصطلح "السلفية" قد ورد في حديث أحد المتحدثين مشيراً إلى كلام الملك فيصل-رحمه الله- في إحدى خطبه بأن السعوديين ليسوا وهابيين ولكنهم سلفيون. لينبري المتحدث في شرح معنى السلفية وأنها مرحلة تاريخية دون معرفة حقيقية بما تعني السلفية من اتباع السلف الصالح في القرون المفضلة وليس بصفته مذهباً.
وانطلقوا في نقد ما أسموه الوهابية وأنها المصدر الحقيقي للإرهاب في العالم وربطوا "الوهابية" بالمملكة العربية السعودية ومساعداتها الإنسانية في دول البلقان وفي دول آسيا الوسطى وبخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي (السابق) وكيف أن هذه الأموال استخدمت لنشر ما أسموه الوهابية.
وكانت مجمل توصيات المشاركين في الندوة دعم التصوف من خلال إعادة إعمار المزارات والأضرحة ونشر الكتب الصوفية ونشر المدارس الصوفية ودعم الطرق الصوفية. وبرر المشاركون هذه الدعوة إلى دعم الصوفية أنها تتسم بالتسامح مع الأديان والمعتقدات الأخرى بعكس الوهابية أو غيرهم من المسلمين.
وفات المشاركون أن الصوفية على الرغم من وجود فئات منها قامت بمواجهة الاحتلال الأجنبي وشاركت في الجهاد ضده لكن هناك طرق صوفية أسهمت إسهاماً واسعاً في التخذيل والاستسلام للقوات الأجنبية. وقد عانت الجزائر طيلة جهادها ضد الاحتلال الأجنبي من وقوف الصوفية ضد الشعب الجزائري وهويته العربية الإسلامية، بل إن سلطات الاحتلال منعت نقد الصوفية أو الانحرافات العقدية للصوفية؛ فقد أوقفت الحكومة الفرنسية صدور مجلة "المنتقد" الجزائرية بعد صدور العدد الثامن عشر. وكان الشيخ عبد الحميد بن باديس حين أصدر المجلة ليواجه الانحرافات الصوفية التي كانت تبث في أتباعها (اعتقد ولا تنتقد) بينما طالب ابن باديس بنقد معتقداتهم وخرافاتهم وارتمائهم في أحضان المحتل. بل إن بعض الطرق الصوفية كانت ضالعة في محاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس نفسه.
حاولت الندوة أن تظهر بالمظهر العلمي الموضوعي، ولكن كانت في الحقيقة مبادرة لتقديم المشورة للحكومة الأمريكية لنشر التصوف والخرافات والبدع في العالم الإسلامي من ناحية نشر الأضرحة والمزارات والزوايا الصوفية. وقد أشار أحد المتحدثين وهو ألن قودلاس Allan Godlas إلى أن حكومة المغرب قد شرعت في دعم الطرق الصوفية. وهو أمر معروف لأن هذه الطرق لها اجتماع سنوي في المغرب، كما أنه تقام في المغرب مهرجانات للموسيقى الصوفية.
وأختم هذه التقدمة الموجزة بالدعوة إلى أن لا نكون ممن تتسم أعمالهم دائماً بردود الأفعال ولكن الأولى أن نكون مبادرين وفاعلين، وحبذا لو تم الاتفاق مع جهة علمية لمناقشة التصوف وحقيقته والفائدة الحقيقية التي يمكن أن تجنيها الولايات المتحدة الأمريكية من التعامل مع العالم الإسلامي لا من خلال تمزيقه إلى فرق وطوائف ولكن باحترام خصوصياته. وإزالة الغشاوة عن مسألة تسامح الصوفية وأن الإسلام الحقيقي هو المتسامح الحقيقي وليست الصوفية.
ومن الاقتراحات العملية مطالبة الكاتبة فهدة بنت سعود أن تكثف منظمة المؤتمر الإسلامي جهودها في مواجهة هذا المد الفكري الغربي الذي يطول عقيدتنا بدعوة جميع علماء المسلمين في العالم الإسلامي للتضامن ونشر الدعوة الإسلامية الخالصة من الشوائب ليكون ردنا عليهم بالحوار وتأصيل الفكر الإسلامي, وتنظيم مؤتمر لعلماء المسلمين لتحديد المصطلحات الإسلامية التي تتفق مع الفكر والثقافة الإسلامية بدلا من المصطلحات الغربية التي فرضت علينا لتطويعنا لإرادتهم بمسح ذاكرة المسلمين وفق جدول زمني محدد لم يبق منه إلّا القليل لفرضه على أرض الواقع. ."( )

المقدمة:
استضاف برنامج الأمن الدولي في مركز نيكسون في الرابع والعشرين من أكتوبر 2003م مؤتمراً لاستكشاف علاقة الدور الذي يمكن أن يقوم به التصوف- الحركة الروحية داخل الإسلام- ضمن أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وكان هدف الاجتماع تعريف صانعي السياسة ومجتمع صناعة القرار بها الجزء المهمل من الإسلام، والذي يشار إليه غالباً بـ "الإسلام الثقافي". ويمارس التصوف ملايين من الناس حول العالم ومن ضمنه الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد ركز الاجتماع أساساً على منطقة أوراسيا التي تضم أكبر الطرق الصوفية وهي النقشبندية، وكذلك الطرق الصوفية التركية. وفي الجلسة الأولى تناول المتحدثون المعتقدات، والبناء التنظيمي، والدور الاجتماعي للصوفية ككل، بينما تناولت الجلسة الثانية تأثير بعض الطرق الصوفية الديني والاجتماعي والسياسي النشطة في منطقة القوقاز وأواسط آسيا. وتناولت الجلسة الثالثة والأخيرة برامج الحكومة الأمريكية مقابل برامج العالم الإسلامي بينما وضعت الأسئلة لتناسب الدول الأوروأسيوية فإن تطبيقاتها السياسية يمكن تعميمها في أماكن أخرى.
وكانت قمة المؤتمر النقاش الافتتاحي بين البروفيسور برنارد لويس والشيخ محمد هشام قباني ولويس هو الشخصية المشهورة اللامعة صاحب التآليف التي بلغت العشرات ومنه بينها (ما الخطأ الذي حدث: الصدام بين الإسلام والتحديث في الشرق الأوسط)، وكتاب (أزمة الإسلام) وقد عمل مستشاراً لصانعي السياسة في المستويات كافة حول الطرق البناءة للتعامل مع المسلمين. أما الشيخ قباني فهو نائب رئيس الطريقة النقشبندية الحقانية، والتي يتبعها أكثر من مليوني شخص حول العالم. وكان أول زغيم مسلم يحذر الولايات المتحدة حول الخطر الداهم الذي يشكله أسامة بن لادن وشبكة القاعدة الإرهابية، وهو أيضاً الذي تزعم العالم الإسلامي في التنديد مباشرة بهجمة الحادي عشر من سبتمبر. والشيخ قباني داعية نشط لا يكل ولا يمل من الدعوة إلى الإسلامي التقليدي المعتدل، وهو معارض شرس للإسلام المتطرف.
ويتضمن هذا التقرير النص الكامل لوقائع الندوة التي سجلت وملخصاً للنقاط الرئيسة لبقية المؤتمر.
كليف كوبشان Cliff Kupchan
نائب رئيس مركز نيكسون


الحلقة الأولى: الصوفية: التاريخ والمعتقد والطرق
المشاركون: د.تيموثي بي جيانوتي، قسم الدراسات الدينية بجامعة أوريجن University of Oregon Dr.Timothy J. Gianotti,
د. زكي سارتيوبارك، قسم الدراسات الدينية بجامعة جون كارول Dr. Zeki Saritopark ـJohn Carrol University
د. هدية ميراحمدي ، المدير التنفيذي للمجلس الإسلامي الأعلى الأمريكي، Dr. Hedieh Mirahamdi
ركز الدكتور تموثي من قسم دراسات الأديان بجامعة أوريجن على أصول الصوفية ونشأتها في الإسلام حيث شرح مصطلح "التصوف" وذكر أن هذا المصطلح من المعضلات في أي نقاش حول الصوفية هذه الأيام، وما ذلك إلاّ لتعدد المجموعات والمعتقدات والممارسات التي يمثلها هذا المصطلح على الرغم من أن العديد من الأشخاص يعرّفون أنفسهم بأنهم صوفيون، وهذا يجب أن لا يعني أنهم يفترضون انتماءً رسمياً أو حتى شبه رسمي للإسلام.فمثلاً هناك أشخاص يتبعون مجموعة لقراءات كتابات الرومي (جلال الدين) أو يتبعون الحركة الاصطفائية للعصر الحديث المتأثرة بالفكر الصوفي أو الممارسات الصوفية، ولكن ليس لهم أي انتماء للصوفية التقليدية ذات الجذور القوية في العقيدة والممارسات الإسلامية.
ومع ذلك فإن بناء الصلة الضعيفة بالإسلام التي يظهرها الأفراد الممارسون فإن جيانوتي أكد أن الصوفية يمكن النظر إليها على أنها إسلام مثالي، حيث إنه من المستحيل أن نؤمن بالإسلام دون الحقائق الأصلية التي يعتنقها الصوفيون بطريقة منتظمة. ومن ذلك قيمة الإحسان، والإحسان يفهم على أنه "الوعي الداخلي أو الوعي الذي لا تقف الأنا في طريقه أو الخيالات التافهة أو الانشغالات بالماضي أو الانشغالات الدنيوية. وفهم الصوفية بهذه الطريقة يمثل صلب الإسلام بصفته ديناً وتطلعاً شخصياً يركز على أعداد الإنسان في سعيه لتأسيس العلاقة المطلقة بالإله.
وبدأ جيانوتي استعراضه الموجز لتاريخ الصوفية بظهور الإسلام في المدينة حيث أسس النبي محمد (ص) أول مجتمع مسلم عام 622م، وقام هو شخصياً بتعليم أول مجتمع مسلم وتكوينه. وأشار جيانوتي إلى لقاء بين النبي والمَلَك جبريل وأوضح الإطار الأساس لفهم مكانة الصوفية في الإسلام، ووفقاً للقصة سئل النبي عن الجوانب الثلاثة الأكثر أهمية في الدين. فقال الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، أما التطبيق أو الإسلام فهو أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، وان تؤدي الصلوات، وأن تدفع الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وأن تحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً. والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وخلال القرون الأولى للإسلام عندما بدأ توسعه الإمبريالي السريع وغير المسبوق والازدهار الفكري فإن جهداً كبيراً بذله العلماء المسلمون الأتقياء في تنظيم وتقنين الدين الجديد. وهكذا بدأ العلماء الأوائل في التخصص في مجالات ذات ارتباط بالحياة اليومية للناس مثل وضع معيارية للقرآن وحفظه ودراسة القواعد العربية (التي سمحت بقراءة القرآن وتفسيره بدقة أكبر) والحديث (جمع وتوثيق كلمات الرسول وأعماله التي عدت سابقات تحتذى) والتوصل إلى معتقدات أكثر توسعاً في وجه الفرق أو الطوائف المنحرفة، ووضع التقنين للحياة الإسلامية الأساسية (علم الشريعة أو الفقه)، وقد اعتمدت الجهود الأخيرة بكثافة على الجهود المبكرة لوضع قراءة معيارية للقرآن وتأسيس العقيدة وجمع مجموعات الحديث الصحيحة وباختصار تأسيس تفاصيل الإسلام والعقيدة المحافظة، وهو الأمر الذي استنفد جهود معظم العلماء في هذا الوقت.
وعندما شعر بعض المسلمين خطورة التركيز المتزايد على المتطلبات الخارجية للإيمان فإنهم بدأوا في تفسير وتقنين علم مقابل ركز على الحياة الداخلية(الإحسان) وهو علم له جذوره في القرآن وفي تقاليد النبوة وممارسات أخلص أصحاب محمد. وقد أطلق بعض العلماء على هذا "علم الطريق إلى الآخرة" وقد ضمّ علماً مبنياً على المعرفة ذات البعد التطبيقي والذي ركزّ على تطهير القلب وكذلك جانباً نظرياً تعمق في الجوانب الغامضة للإيمان. وباعترافهم بالضرورة المستمرة القائمة لعلم الفقه فإن هؤلاء العلماء الممارسون للطريقة الداخلية أكدوا أن الشكل الخارجي لم يكن كافياً حيث حولوا اهتمامهم إلى فحص المواقف والمقاصد والحالات العقلية وأنها ضرورية لتطهير القلوب وحكمها ساعين إلى شق طريقهم إلى الله. وهكذا فإن النطاق الذي مارس فيه هؤلاء العلماء (علماء الآخرة) حكمهم وسلطتهم كان عالم القلوب غير المرئي ويتجاوز هذا النطاق الهادئ قدرة الأنظار الدنيوية ومع ذلك فيمكن استيعابه من خلال التجربة والنظرة الروحية للفهم الروحي.
ومع مرور الوقت برز علماء استطاعوا أن يكونوا أساتذة وقدوات مطبقين لهذا العلم. ومع حلول القرن الثاني عشر ظهرت الطرق الصوفية يقود كل طريقة أستاذ كبير أو شيخ ويخلفه شخص معين أو خليفة في كل جيل. وحصلت كل طريقة روحية على الاعتراف بها وأهليتها من خلال سلسلة من التكوينات الروحية والانتقال تعود إلى الشيخ المؤسس وما قبله حتى تصل إلى النبي.
وهكذا ظهرت الصوفية كعلم ديني وحركة اجتماعية يتبع كل طريقة أعداد كبيرة من الأتباع، وفي الوقت الذي استمرت هذه الطرق في الظهور والانتشار في أنحاء العالم الإسلامي فإن شيوخ هذه الطرق حققوا سلطة في العالم الروحاني بل أيضاً في العالم الدنيوي كذلك. وأصبح هؤلاء السادة يحصلون على التقديس والولاء من قبل الآلاف وحتى عشرات الآلاف من الأتباع الذين أقسموا يمين الطاعة للشيخ ومن خلال الشيخ للنبي وفي النهاية لله.
واختتم جيانوتي قائلاً إن الصوفية التي ساعدت في انتشار الإسلام في أواسط آسيا وشرقها وجنوبها وشبه القارة الهندية وما وراء الصحراء الكبرى الأفريقية كانت قوة روحية واجتماعية على السواء. والميراث الذي تركته الصوفية هو إسلام يدعى إليه بحساسية تجاه الثقافات الأخرى والتعاون بين الأديان والذي لا يهمل أبداً الحياة الداخلية والأصل الروحاني من أجل حركة سياسية فقط.
المتحدث الثاني: الدكتور زكي ساريتوباركZeki Saritopark من قسم دراسات الأديان بجامعة جون كارول John Carroll University
بدأ ساريتوبارك ملاحظاته بالتأكيد على أن معتقدات الصوفية إنما هي وسائل عميقة وغامضة يستطيع الإنسان من خلالها اختراق عالم الغيب أو عالم الحقيقة المطلقة. وفي الحقيقة فإن المتحدث جادل بأن كل الصوفية في الإسلامي يمكن النظر إليها بصفتها تعبيراً عن السعي المتواصل نحو الغيب. وهذا ما تؤكده الآيات الخمس الأولى من القرآن حيث تنص على أن الذين يخشون ربهم هم الذين يؤمنون بالغيب(سورة البقرة الآية 2-3) وبتعبير آخر إن معرفة الله تأتي من خلال النظر من خلال القلب لا من خلال العين الحسية.
وأشار ساريتوبارك إلى أهمية الروحية في الصوفية مشيراً إلى القرآن وأحاديث النبي محمد( المصدران المهمان للإسلام) فكل الصوفيين يتبعون الآيات القرآنية مثل: (وما الحياة الدنيا إلاّ لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) (سورة الأنعام آية 32) ويؤكد المتحدث أهمية القلب بالاستشهاد بالآية القرآنية التي تقول: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (سورة الرعد الآية 28)، ويرى الباحث أن هذه الآية هي الأكثر قرباً من الصوفية حيث أنها تقدم مصطلحين هامين هما "تطهير القلب" والثاني "ذكر الله" وكلاهما شكلا جوهر الصوفية.
ويتوقع الصوفيون بأنه نتيجة معرفة الله سيحظى الإنسان بحب الله وبالتالي سعادة الروح. وهذه الرحلة تتكون من ثلاث مراحل: الإيمان بالله والمعرفة بالله وحب الله. وكما قال الشاعر التركي المتصوف يونس عمر "نحن نحب المخلوقات من أجل الخالق" وينظر الصوفيون لهذا الكون على أنه كتاب الله فكل جزء من الطبيعة يُعَدُّ آية على الخالق. وبالتالي يستنتج ساريتوبارك بأنه لا مكان للكراهية في قلوب الصوفية.
وقد قام الصوفيون في التاريخ الإسلامي الوسيط بتأسيس الطرق الصوفية لمساعدة أتباعهم على تحقيق أعلى مستوى من الأمان خلال رحلتهم نحو عالم الغيب ويستشهد الباحث بمقولة جلال الدين الرومي على أهمية المرشد في هذه الرحلة " إذا دخلت الطريق بدون مرشد سوف يستغرق الأمر مئات السنين لقطع رحلة تستغرق يومين" وهذه الرحلة هي أساساً صراع ضد كل نقاط الضعف البشرية. ويتحدث القرآن عن النفس البشرية التي تأمر بالسوء على أنها نقطة ضعف. ويستمر الصراع خلال حياة الإنسان كلها حيث تبقى الروح مع الإنسان حتى الوفاة. وهذا هو الوضع حتى بالنسبة لأولئك الذين حققوا أعلى مستويات الأمان. والصراع ليس مباشرة ضد الروح ولكن ضد كل الميول السيئة والعادات. وبخصوص هذه المجهودات المستمرة يرى الصوفيون أن قول النبي هي نقطة انطلاقهم :" أخطر عدو هو النفس التي بين جنبيك"
ومن خلال هذا الصراع يحاول الصوفي أن يصل إلى المستوى الذي يطلق عليه "الإنسان الكامل". وفي هذه المسائل يتكون التراث الصوفي من ثلاث مراحل من الالتزام الديني: علم اليقين (الإيمان القوي من خلال المعرفة)، وعين اليقين (الإيمان من خلال الملاحظة) وحق اليقين (الإيمان من خلال التجربة)، والمرحلة الأخيرة هي أعلى شكل، ويوصف أيضاً بمعرفة الله والتي لا يمكن تحقيقها من قبل كل الصوفيين مع أن كل المتصوفة يسعون إلى الوصول إليها.
وصرّح ساريتوبارك بأن علي بن أبي طالب الخليفة الرابع وزوج ابنة الرسول يقدم مثالاً شخصياً عظيماً لهذا المستوى من الإيمان. قال علي: "حتى لو فتح حجاب الغيب فإن قوة إيماني لن تزيد عمّا هي عليه" وبكلمات أخرى إن إيمانه قوي لدرجة أنه حتى لو فتحت حجب الغيب لرؤية الله فإن إيمانه لن يزداد، ووفقاً لذلك يعد عليّ السلطان (قائد روحاني) لكل الصوفيين لأن شخصية علي مهمة لأهل السنّة والشيعة فيمكن أن تكون عاملاً مشتركاً بين الفرقتين، فالصوفيون السنّة بصفة خاصة يؤكدون على أهمية علي، وبالتالي فوفقاً لساريتوبارك يمكن أن يشجع هذا الحوار بين الشيعة والسنّة، وهما طائفتان مختلفتان سياسياً ومع ذلك فإنهما متطابقتين عقدياً.
وبينما يعد القرآن والسنّة هما مصدر المعتقدات الصوفية فليس ثمة شك في أن الصوفية استعاروا من المعتقدات اليهودية والنصرانية. والتأثير اليهودي النصراني جاء من خلال التأثير الخفي للصوفيين اليهود والنصارى الذين دخلوا في الإسلام وكذلك من خلال التبادل الثقافي الذي استمر من القرن السابع وحتى فترة الحروب الصليبية. وبالتالي فإن كثيراً من الصوفية يعدون عيسي شخصية روحيانية مهمة. وهناك صوفيون ضلوا عزّاباً ليقلدوا المسيح في عزوبيته، ولكن على الرغم من أن الحقيقة أن المتصوفة المسلمين قد تفاعلوا مع التصوف النصراني واليهودي ويحترمون التراث اليهودي النصراني فإن القرآن وأقوال الرسول مازالا هما المصدران المعصومان للصوفية.
ومع كل هذا فخلال تاريخ الإسلام كان هناك توتر بين الصوفية وعلماء الشريعة المسلمين الذين يرفضون أن تكون جذور الأفكار الصوفية موجودة في القرآن وأحاديث النبي، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين: أولئك الذين يرفضون الصوفية باسم الإسلام، وأولئك الذين يرفضون الصوفية باسم التحديث. فالفريق الأول يرى أن الصوفية ابتداع ضد تعليمات الإسلام، بينما يرى الآخرون أن الصوفية غير صالحة لتطبق في العصور الحديثة، وأنها ببساطة سلبية وكانت من أسباب تخلف العالم الإسلامي في عصر العلم والتقنية.
وكان مركز الخلاف أن العلماء قدروا واحترموا الشريعة بينما احترم الصوفيون الحقيقة، وطالب علماء الشريعة أن يتبع الصوفية الشريعة، بينما يرى كثير من الصوفية أن النظام غير أساسي واختاروا بدلاً من ذلك القدرات العقلية التي اعتقدوا أن القرآن يدعو إليها. ووفقاً لسارتيوبارك فيعتقد الصوفيون أن النصوص المقدسة تشجع المسلمين على التفكير وأن يستخدموا عقولهم لفهم معنى الخَلق، وقد اتبع بعض المثقفين طريق العقل التي توصى بها النصوص المقدسة وهكذا فإن نظاماً شرعياً وكثير من الفكر الإسلامي ظهر نتيجة لهذه المجهودات. ومع ذلك فإن التوتر ما زال مستمراً في الوقت الحاضر بصورة متشددة بين الوهابيين والصوفية.
وناقش ساريتوبارك أن معظم الصوفية يظلون أوفياء للتعليمات الأساسية والتقليدية للإسلام ولكن التطورات الحديثة أتت بتحديات جديدة لحياتهم، ففي تركيا مثلاً بالرغم من أنهم منعوا عام 1924م فإن هناك طرقاً صوفية متعددة تحاول أن تتلاءم مع الحياة الحديثة، وتظل الطريقة النقشبندية ذات شعبية في السياسة وفي الثقافة في تركيا وقد أسست مجموعات أخرى مجلات وصحف وحتى بعض المؤسسات المالية.
وهناك بعض الحركات الدينية ذات التوجه المدني والتي لا يمكن عدّها من الناحية الفنية من الطرق الصوفية، ولكن فيها عناصر صوفية في حياة أتباعها الروحية. ويعدّ ساريتوبارك أتباع فتح الله جولان من أهم أتباع هذه الحركات، فجولان يركز على النظرة المتوسطة التي ترى أن الحياة الحديثة والروحانية لهما قيمة. وتختلف حركة جولان في تنظيمها عن الطرق الصوفية وذلك في الروابط ذات النسيج غير المتشدد، وينقصه التسلسل السلطوي وهي مثل الطرق الصوفية في أنها لا تترك البعد القلبي وببساطة إنها تسعى إلى نوع من التوازن.
وقد أسس أتباع جولان الذين يعدون بالملايين شبكة تلفزيونية كبيرة وصحيفة مرموقة هي صحيفة الزمان، والعديد من المؤسسات المالية وجامعات في تركيا وخارجها. إنهم يدعون إلى تعليم ليبرالي مع التركيز على العلوم الطبيعية. ويظهر أن هؤلاء منفتحين على التنوع ضمن هذا التنظيم حيث تضم مجموعاتهم الطلابية تعدداً من الناحية العرقية والدينية. ولا يعد مؤسس هذه الحركة جولان شيخاً أو زعيماً لطريقة صوفية، ومع ذلك فقد قام بتأليف العديد من الكتابات حول الصوفية، ونظراً لأنه لا توجد عضوية مرتبطة بهذه الحركة المدنية وليس ثمة بناء صوفي يمكن للإنسان أن يقول إنها حركة مدنية ذات توجه روحاني بفهم حديث للصوفية، وبكلمات أخرى يمكن فهمها كطريقة للصوفية أو الصوفية الجديدة.
واختتم ساريتوبارك القول بأن الطريقة التقليدية للصوفية ستعيد بناء نفسها وفقاً لظروف العصر الحاضر، وبصفتها النموذج الروحاني للإسلام، فإن الصوفية سوف تستمر في البقاء وإن كان أقل مكانة وقوة. وقال أيضاً إن الصوفية الحديثة ستثير الانتباه عندما تتحرك أبعد من كونها مهتمة بالمسائل الروحانية إلى الاهتمام بالعوالم الاجتماعية والسياسة وحتى الاقتصادية.

د. هدية ميرأحمدي: المدير التنفيذي للمجلس الأمريكي الأعلى
تناولت الدكتورة هدية في حديثها ما سبق قائلة: إنه على الرغم من أهمية النقاط التي أشار إليها المتحدثان السابقان لكن أهم جانب من تاريخ الصوفية هو حقيقة أن الصوفية حافظت على وجودها مع الاتجاهات الأخرى الإسلامية من بداية الإسلام، وأضافت إن الروحانية كانت موجودة منذ السنوات الأولى لهذا الدين ولكن بدون اسم وأصبحت الآن اسماً دون مضمون.
ولشرح الملاحظة السابقة بدأت الدكتورة هدية بمناقشة كيف أن الأحداث الخطيرة التي وقعت في القرن العشرين (انهيار الإمبراطورية العثمانية، والحملات الاستعمارية لبعض القوى الغربية، والتراجع العام للحضارة الإسلامية) قد أدت إلى موجة جديدة من الفكر في العالم الإسلامي تسعى إلى توحيد المسلمين في قوة سياسية موجهة ضد أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الأيديولوجية يشار إليها بالوهابية (ويطلق عليها اليوم السلفية) ووصفت للمسلمين بأنها محاولة لتنقية ممارسات المسلمين حول العالم المتأثرة بالغرب والصوفية وغيرها، وهذه الأيديولوجيات أرجعت فشل المسلمين في مقاومة الاستعمار الغربي إلى فساد الاعتقاد، وجادلوا بأن المسلمين كانوا متساهلين جداً مع الثقافات الجديدة التي دخلت الإسلام ونتيجة لذلك فقد استحق المسلمون غضب الله.
إن نجاح هذه الأصولية المسيسة اعتمد على إنشاء قوة موحدة تكون قادرة على مواجهة الغرب، وكان الحل هو الرجوع إلى القرآن ، ومن أجل استكشاف النصوص المقدسة أعادوا تفسير الشريعة الإسلامية بالاعتماد على تفسر حرفي جداً للكتابات الدينية، وكان هذا الحل ناجحاً حقاً، وأشارت ميرأحمدي إلى أن الناس لم يدركوا أن الإرهابيين كانوا يعيدون تفسير الآراء الاعتقادية والشرعية التي صمدت عدة قرون، وظهر للجميع تقريباً بأنهم ببساطة "يُنَقُّون الاعتقاد"
وقد أعطى التفسير الجديد للإصلاحيين كل الغطاء القانوني الضروري لإخفاء تدميرهم المنظم للتعددية الإسلامية في الممارسة. وأول ما حدث من هدم الثقافة الإسلامية كما وصفته ميرأحمدي هو إلغاء المراكز الصوفية الاجتماعية حيث كان الشيوخ يلتقون بالشباب للتعلم وحيث بنوا شبكات اجتماعية متينة. وفي المراكز التعليمية الجديدة والمساجد التي حلت محل المراكز الصوفية أقصيت الروحانية وجددت المناهج بالتركيز الشديد على النظرية السياسية. وبدأ الأئمة الجدد الذين حلوا محل الشيوخ كذلك بالدعوة باستفاضة لتفوق الإسلام على كل الأديان الأخرى.
وقالت ميرأحمدي إن الناس غالباً ما يسألوا كيف أن هذه الجماهير العظيمة التي تتجاوز البليون سمحت لعقيدتها أن تغير بطريقة دراماتيكية. والإجابة البسيطة هي إن المسألة لم تكن مسألة "السماح" بتعديل الدين فقد كان هناك من قاوم وقاوم بقوة. وأصرت بأن هذا الجهد الوهابي الضخم للهدم قد تسبب في سفك الدماء والعنف في كل ركن من العالم الإسلامي. وقد أصبح الآباء والأبناء ضد بعضهم البعض ومزقت الأسر حيث تعلم الجيل الجديد في مدارس الفكر السلفي.
وبالتالي تؤكد ميرأحمدي أنه من المهم أن ندرك أنه قبل أن يصبح العنف ظاهراً ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاها بمدة طويلة فإن النسيج الاجتماعي للعالم الإسلامي قد دمّر، وختمت ميرأحمدي أنه من المستحيل الهروب من تأثير الهدم السلفي والوهابي في أي مكان من العالم الإسلامي.
وبخصوص السياسة الأمريكية قالت إنه نظراً للطبيعة العلمانية للنظام السياسي الأمريكي فمن الصعب تخيل أن نرى صنّاع السياسة الأمريكية يؤيدون قيم الصوفية بصراحة. ومع ذلك فترى ميرأحمدي أن برامج مساعدات الولايات المتحدة يمكن أن يتم بطريقة التفافية مع الأخذ في الاعتبار ثقافة الدول المختلفة وتاريخها. وقد تجد نفسها قادرة على مساعدة أمم على استعادة تراثها المفقود. وهناك دافع حقيقي للولايات المتحدة الأمريكية أن تفعل هذا لمواجهة بعض النقد المتزايد من قبل المسلمين بأن الحرب على الإرهاب إنما هي حرب موجهة عمداً لهدم الإسلام. وفقاً لذلك قدمت ميرأحمدي ثلاث طرق محددة يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تسلكها للمساعدة وهي:
الأول: القيام بالمحافظة و/ أو إعادة بناء أضرحة الأولياء والمراكز التعليمية المرتبطة بها، فالسلفيون ينكرون فكرة الأولياء وغالباً ما يهدمون ويحقرون من شأن الأضرحة الموجودة منذ قرون وبخاصة في آسيا الوسطى. وإن إعادة بناء هذه الأضرحة والمحافظة عليها سيقوي التقليد القديم لدى الناس. وذكرت ميرأحمدي الحاضرين أن هذه هي الأماكن التي كان يجتمع فيها الناس من كل أنحاء العالم للتواصل الاجتماعي والعلم وبناء جسور التسامح والتفاهم. وهي أيضاً مكسب عظيم للعملة الصعبة الأجنبية المشروعة لأنها تجتذب السياحة العالمية.
الثاني:المحافظة على المخطوطات القديمة وترجمتها، فبعض الشعر العظيم والعلم والمخطوطات الأدبية المهمة تبقي محجوبة بسبب نقص التمويل للمجهودات لنشرها وتوزيعها وبمساعدة كهذه يمكن لهذه الوثائق أن تبرهن على نطاق أوسع الأهمية التاريخية لهذه التقاليد الإسلامية.
الثالث: يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في إنشاء مراكز تعليمية وتمويلها تقوم بالتركيز على التاريخ القديم والحضارة الخاصة بالمنطقة مع تركيز معين على سوابق التسامح الديني والعرق. وهذه المراكز يمكن أن تساعد المجتمع في المحافظة على الشباب الذين أصبحوا متذمرين من الفكر الوهابي.
هذه المبادرة ستكون مهمة جداً شريطة أن تحتاط الولايات المتحدة حتى لا تقوم بتمويل مجموعات بالخطأ، وعليها ألاّ تعمل إلا مع أولئك الذين برهنوا على أنهم دعاة للسلام والتسامح بين الأديان والاعتدال في مجتمعاتهم.

الحلقة الثانية
الصوفية في آسيا الوسطى
المشاركون:
• ألان جودلاس ، قسم دراسات الأديان بجامعة جورجياAlan Godlas, University of Georgia
• د,محمد فاغفوري، قسم الدين بجامعة جورج واشنطن
• تشارلز فيربانكس Charles Fairbanks معهد آسيا الوسطى- القوقاز بجامعة جون هوبكنز John Hopkins University
• ألكسي ألكسييف exiev Alexi Alكبير باحثين في مركز سياسات الأمن.

المتحدث الأول: ألن جودلاس
ناقش جودلاس الذاكرة الجماعية للصوفية في أواسط آسيا وبخاصة في أوزبكستان وتركمانستان خلال فترة الحكم السوفيتي، وقال إن الولايات المتحدة يمكنها أن تساعد في المحافظة على هذه الذاكرة الجماعية بدعم إحياء المعتقدات المحلية، ولكن يجب أن يعمل هذا بطريفة مختلفة في كل بلد.
ومما لا يمكن إغفاله هو أنه خلال التاريخ الإسلامي كانت أواسط آسيا واحدة من أهم مراكز التصوف. ومع ذلك فخلال ثمانين سنة قام السوفيت باضطهاد الصوفية في المنطقة حتى أصبحت مجهولة إلى حد كبير. والآلية التي استخدمها السوفيت للقيام بحملة الاضطهاد هذه يمكن مقارنتها إلى حد بعيد مع أساليب الوهابية. فقد قتل القادة الصوفيون في الغالب وأغلقت مدارسهم التي كانوا ينشرون العلم من خلالها ومنعت النصوص الصوفية وعُدّ العلماء الذين حاولوا البحث في الصوفية من المتخلفين أو أسوأ من ذلك حيث عدّوا أعداء للسوفيت. ونتيجة لذلك فإن نصوص الصوفية في آواسط آسيا والثقافة قد تم اجتنابها من قبل الباحثين السوفيت في الأديان الذين اقتصر اهتمامهم على حياتهم الشخصية ومسيرتهم العملية. وكان هناك استثناءان فقط عندما كان بالإمكان أن يعد بعض الصوفية مؤييدين لصراع الماركسية ضد الاقطاع. وأحد المشكلات الرئيسية اليوم في البحث في الصوفية في أواسط آسيا هو أن العمل الأكاديمي في الفترة الصوفية أظهر الصوفية بهذه الطريقية غير الوافية والمحدودة. واستنتج جودلاس بأن تاريخ الصوفية في أواسط آسيا يكاد لا يكون معروفاً بالنسبة للعلماء الغربيين وكذلك لشعوب أواسط آسيا أنفسهم، وبأن الصوفية كانت غائبة إلى حد كبير في الذاكرة الجماعية لدى مسلمي أوساط آسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فإن هذه الفجوة في الثقافة والهوية قد ملئت بمسلمين متطرفين من الوهابية والسلفية والمودوديين.
ولحسن الحظ أن العديد من دول آسيا الوسطى أدركت أهمية استعادة الثقافة الصوفية بالنسبة لمجتمعاتهم؛ فقد شهدت أوزباكستان زيادة في نشر كتابات حول الصوفية مثل كتاب بهاء الدين النقشبندي، ونجم الدين كوبرا. وفي عام 2004 ساهمت الدولة في نشر إحدى روائع الأدب الصوفي بترجمتها إلى اللغة الأوزبكية الحديثة وهي كتاب الشرنافاي (لغة الطيور). وكان هناك محاولة حكومية في العلمي العالم لبرط المفهموم الغربي ل "المجتمع المدني" مع عناصر من الصوفية فمثلاً أسست في أوزباكستان في عام 1994م وزارة أطلق عليها "المركز الشعبي للروحانية والتنوير"، ولكن بدلاً من المعنى الأصلي لكلمة (الروحية ومعرفة (معرفة مباشرة يتم تحصيلها من خلال التجربية الروحيانية، قدمت هذه المصطلحات بمعان علمانية مثلاً الوصول إلى طاقة الإنسان الكاملة و"المشاركة الكاملة في المجتمع المدني". وعلى الرغم من أن هذه بعيد أن يكون إحياءً مؤسساتياً للثقافة الصوفية الأوزبكية ولكن مثل هذه التحركات يمكن رؤيتها على أنها خطوة غير وهابية أبعد من الماضي الماركسي وتضم على الأقل بذور زواج بين الصوفية الأوزبكية التلقليدية مع تلك النابعة من مفهوم المجتمع المدني."
واقترح جودلاس مكوناً آخر في إعادة بناء الهوية الصوفية في أوزباكستان وهو وجوب دعم الطريفة الصوفية النقشبندية بصفة خاصة. وهذا الاتجاه له قدم ثابة في البلاد فأكبر مدرسة في أواسط آسيا يرأسها شخص نقشبندي، وكذلك اللجنة الحكومية للدراسات الدينية وبالإضافة إلى ذلك هناك بالقرب من مدينة كوكاند شيخ يقوم حالياً بتدريس قيم النقشبندية الكلاسيكية. وقد حاول باحثو الحقبة السوفيتية إبراز النشاط العسكري الصوفي ومازال هناك خوف في الدوائر الرسمية من النشاط الديني، ومع ذلك يقول جودلاس إن الثقافة النقشبنيدية بصفة خاصة والصوفية بعامة ينظر إليها على الأقل في الحكومة الأوزبكية بأنها مؤيدة للتغيير الاجتماعي من خلال إعادة التثقيف التدريجي بدلاً من الثورة الوهابية العسكرية أو أسلوب الطالبان بفرض القيم الدينية. وعلى الرغم من أن الصوفيين الأوزبكيين سيرحبون بالمساعدة الأجنبية (حيث إن مثل هذا التعاون معروف جداً فعلى الأقل يمكن للولايات المتحدة أن تشجع انفتاحا حكومياً لعودة ظهور الصوفية النقشبندية.
وبالإضافة إلى إحياء القيم الصوفية التقليدية لأواسط آسيا في المؤسسات التعليمية وفي النشر والصوفية النقشبندية هناك إعادة إحياء القيم الصوفية في أواسط آسيا من خلال زيارات الأضرحة، وأشار جودلاس إلى مقالة ديفيد تايسون David Tayson "الحج إلى الأضرحة في تركمانستان" مؤكداً على زيارات الأضرحة وارتباطها بهوية تركمانستان القبلية، وتحت الحكم السوفيتي كانت الصلات الثقافية والتاريخية لهذه الأضرحة وبخاصة في تركمانستان قد فقدت في الغالب مما أدى إلى خلق فراغ ثقافي. إن أهمية زيارة الأضرحة أمر فريد بالنسبة للهوية التركمانية وتلعب دوراً مهماً بدرجات متفاوتة في هوية الكازخ والأوزبك والأفغان والطاجيك وإلى درجة ما في الإحياء الثقافي المرتبط بضريح بهاء الدين النقشبندي في بخارى هو في طور التنفيذ ولكن مما تم عمله إنما هو جزء مما هو ممكن. ومن خلال نشر ترجمات للأعمال المرتبطة بالتصوف إلى اللغات المحلية وكذلك إلى الإنجليزية (وقد تم شيء من هذا مع كتابات أحمد باصوفي في كازاخستان) وهذا الفراغ الثقافي يمكن ملؤه جزئياً وبالتالي مساعدة كل دولة في إحياء هويتها الصوفية التقليدية واندماجها مع الهوية القومية المعاصرة.
وباختصار ذكر جودلاس أنه في الوقت الذي تعيد دول آسيا الوسطى هويتها وتبتعد من كلٍّ من الهوية الماركسية والوهابية فإن الولايات المتحدة ستحسن صنعاً في محاولة كل دولة لإحياء هويتها الصوفية المحلية وإدماجها مع الهوية القومية من خلال:
1- تشجيع نشر كتابات الصوفيين المحليين وترجمة النصوص الكلاسيكية (من قبل صوفيين محليين) إلى اللغات المحلية المعاصرة وإلى اللغة الإنجليزية (يعطيها شهرة وأهمية اللغة الإنجليزية وبخاصة بالنسبة للشباب)
2- تشجيع دمج القيم الصوفية مع قيم المجتمع المدني في المعاهد التعليمية.
3- نصح العديد من دول آسيا الوسطى للتأقلم مع موقف الانفتاح نحو إعادة إحياء النقشبندية بصفة خاصة.
4- تشجيع إحياء الثقافة والآداب وفي الوقت نفسه إحياء تقاليد زيارة الأضرحة والمقامات في كل دولة. وقد وصل إلى علم دوجلاس من خلال أحاديث مع مسؤولين مغاربة –وهو بلد عاني من هجوم الوهابية- بأن هناك برامجه شبهية تهدف إلى إعادة إحياء الصوفية المحلية التقليدية
وفي النهاية قال جودلاس هناك معركة حقيقية بين الوهابية والإسلام الصوفي حول من يقود الإسلام في آسيا الوسطى والعالم، فإذا ما تخذت الولايات المتحدة الأمريكية إجراءً حمائيا في دعم إحياء الصوفية في آسيا الوسطى فإنها يمكن أن تكون قادرة على أن تحول المنطقة من أيدي العسكريين نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
د.محمد هـ. فاغفوري قسم الدين بجامعة جورج واشنطن
ركز فاغفوري مشارتكته على إيران التي كان لها اتصال وثيق بالصوفية كما هو واضح في الممارسات الروحانية وكما تعكسه الآداب الفارسية، ويعكس سلمان الفارسي أو من دخل الإسلام وصاحب النبي المقرب فضول الإيرانيين الروحاني، وحب الحقيقية فكثير من الطرق الصوفية بما فيها أكبر طريقة سنية وهي المباركية النقشبندية التي نمت في إطار ثقافي فارسي وأثراها شعراء مثل عبد الرحمن جامي، وثمة طريقة أخرى النعمة الإلهية التي نمت في إيران الشيعية وكانت ذات شعبية لعدة قرون في إيران. وقد تولد عن الصوفية ممارسات شيعية عديدة مثل الفتوة اخوان ماردي (الفرسان الروحانيين) والمؤسسات البهلوانية مثل نقابة السوق.
وعلى الرغم من أن تاريخ الصوفية في إيران قد شهد خلافات حادة بين الحين والآخر بين الطرق الصوفية وفقهاء الشيعة وعموماً فالعلاقات بين المجموعتين كانت في الغالب سلمية، فغالبا ما تسامح كلا الطرفين أو أهمل الآخر.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979م ظهر إلى السطح من جديد التوتر القديم والصراع بين "العارف" و"العالم" (أي بين المشايخ المحافظين والمتصوفة)، وكانت هناك تقارير عن تهديدات ضد الخانقات(مدارس الصوفية) أو المنازل التي يلتقي فيها الصوفيون والتي تعرض بعضها للهجوم من قبل الحشود الغوغائية وهذا أدى إلى تحديد نشاطاتهم بسبب الأجواء المعادية للصوفية من قبل المشايخ ذوي الرتب المنخفضة. وقد غادر إيران شيوخ بعض الطرق الصوفية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ونصحوا أتباعهم بخفض نشاطاتهم من أجل أمنهم وسلامتهم.
وعلى الرغم من كل ذلك ولأن جذور الصوفية عميقة شهد العقد الأخير نمواً غير مسبوق لشعبيتهم، وأحد المؤشرات كان نشر عدد كبير من الكتب عن الصوفية وبخاصة تلك التي كانت متوفرة للصوفية بصورة مخطوطات، وأضاف فاغفوري إلى هذه القائمة ترجمة العديد من الكتب عن الصوفية والروحانية لبعض علماء الصوفية المشهورين مثل فرتجوف شون Fritjof Schoun وتيتوس ، وبوركهارتBurkhart ومارتن لنجز Martin Lings وسيد حسين نصر.
وقام بعض العلماء بنشر طبعات من مؤلفاتهم موجهة إلى جماهير أوسع، ومن هذه الكتب ترجمة الرومي التي كتبها أبو الحسين زارينكوب ورسال حول شمس تبريزي والطبعة الثامنة لكتاب "العلامة الطبطبائي" (لب الألباب)، وكان هناك إحياء للموسيقى الصوفية يشير إلى ذلك شعبية بعض الموسيقيين مثل محمد رضا لطفي وشهرام نزيري ومحد رضا شاجريان بالإضافة إلى موسيقى القوالي لنصرة فتح على خان وتسجيل حلقات الساما والتسجيلات الصوتية المرئية (الفديو) للمجالس وموسيقى المولوي وطرق الخواتي جراجي.
وقدم فاغفوري قائمة بعدة طرق مشهورة في إيران لها فروع في أسيا والولايات المتحدة وهي كالآتي:
1- طريقة نعمة اللهي :كانت في الأصل طريقة سنّية ولكنها تحولت إلى طريقة سيعية في القرن السادس عشر، ولهذه الطريقة في الوقت الحالي أربعة فروع، أحدها مشتق من مونس علي شاه ضرياساتيان، وشيخ هذه الطريقة الحالي هو الدكتور جواد نور بخش، ويعيش في لندن. وهذا الفرع نشط جداً في نشر الكتب حول الصوفية.
2- الطريقة الكوثرية وكان الحاج محمد حسن مارغيهمي والمعروف ب محبوب علي شاه بيرماراغه أحد أكثر شيوخ الصوفية في إيران في القرن الثاني عشر، واعترف به بصفته قطباً للطريقة النعمة اللهية الكوثرية حتى مات عام 1955م، ووفقاً لبعض التقارير فقط ترك وصية مكتوبة أوصى فيها أن يكون خليفته على أسغر ملكنيا وتلميذه المصدق والذين اتبعوه أصبحوا يعرفون باسم الطريقة النعمة اللهية الكوثرية، وذكر فاغفوري أن أعضاء هذه الطريقة الشيعة يلتزمون بالشريعة وهم دقيقون في مراعاة الاحتفال بمولد النبي ومولد الإمام علي بن أبي طالب والمناسبات الشيعية الأخرى. وبخصوص التركيبة القومية والعرقية والطبقية فمن المهم أن نلاحظ أن الطريقة مكونة أساساً من الاذربيجانيين من الطبقة التقليدية والطبقة المتوسطة. والخانقاه الرئيسية لهذه الطريقة موجودة في مدينة مراغاه خارج طهران، ولكن لها جذور عميقة في أذربيجان حيث يحافظ على خانفقاه في مدينة مراغاه. وقد توفي السيد مالكينا (اسمه في الطريقة ناصر على شاه) عام 1998م في فرنسا. وقد نقل جثمانه إلى إيران ودفن في الخانقاه الخاصة به في الري بجوار شيخه محبوب علي شاه.
3- طريقة نعمة الله جندبادي وأحد أبرز شيوخ هذه الطريقة في القرن العشرين السلطان حسين تابنده. لقد كان شيعياً محافظاً وكان ملتزماً بالشريعة بعناية.
4- الطريقة الشمسية وسيمت هذه الطريقة على اسم سيد حسين حسيني ويعرف أيضاً بشمس العرفا (1871-1935م) وقد انقسم أتباعه بعده.
5- صافي علي شاهي، وسميت هذه الطريقة باسم الشخصية الرئيسية فيها صافي على شاه أصفهاني .
6- الطريقة الذهبية وهذه كما يشير فاغفوري كانت في الأصل فرعاً من طريقة معروفة في آسيا الوسطى باسم كيراويه، ومؤسسها هو سيد علي حمداني المولود عام 1314م ومن نسل الإمام سجّاد وتلميذ علاء الدولة سمناني (توفي 736هـ،/1336م) والمركز الرئيسي لهذه الطريقة في مقاطعة فارس في إيران (وبخاصة مدينة شيراز) ولكن لها خانقاه في طهران وأخرى في تبريز. وقد أسست الكيراوية نفسها من قبل الشيخ نجم الدين لورا في مدينة خوارزم وتعرف بصفة خاصة بمقاومتها للغزو المغولي لتلك المدينة في عام 1231م/618م. ومن بين أبرز الشيوخ في هذه الطريقة سيد محمد نور بخش (توفي 1246م/869هـ) وقد تحولت الطريقة إلى المذهب الشيعي تحت قيادة هذا الشيخ، والطريقة العويسية المعروفة في إيران اليوم بالطريقة العويسية المصودي هو فرع من الطريقة النوربخشية.
7- بالإضافة إلى هذه الطرق ومجموعات أخرى أصغر (علي الله) الشيعية هناك العديد من الطرق السنّية في إيران ومرتبطة بمجموعات عرقية معينة ففي كردستان مثلاً يتبع الطريقة النقشبندية والطريقة القادرية عدد كبير من الأتباع بينما في كردستان تحظى الطريقة القادرية بوجود قوي نوعاً ما.
وهناك العديد من الجوانب المهمة التي يميز الطرق الصوفية التي نشأت وما تزال قائمة في فارس/إيران، وأهم جانب يمكن ملاحظته هو التزامهم بالمذهب الشيعي (عرفان شيعي)
والموجة العرفانية غير المعروفة والتي لم تدرس بجد حتى الآن هي الصوفية الغريبة التي وجدت في السر، فهي موجودة غالبا بين العلماء الذين رفضوا التصوف الرسمي ولكنهم كانوا منجذبين للتعاليم الغامضة لأئمة الشيعة وبخاصة الإمام علي والإمام زين العابدين سجاد والإمام علي بن موسى الرضا. وفسر الفاغفوري ذلك بأن كان لديها خصائص السلسلة التي تربط الشيوخ بالتلاميذ ولكنها تفقد التنظيم الرسمي الذي يميز الطرق الصوفية الخانقاهية. وبدلاً من ذلك فأعضاؤها في غالبيتهم مقتصرين على علماء الدين بالإضافة إلى قليل من التجار المخلصين (الملتزمين)، والمثقفين المتدينين، وتتضمن نقلاً منظماً للسلطة بعهد الولاية والاتجاه الروحاني وباختصار لها كل خصائص الطرق الصوفية عدا اسم "الصوفية" نفسه.
وهذا الاتجاه كان موجوداً في مراكز التعليم الشيعية (حوزات) في قم ومشهد وطهران وكذلك في كرباء والنجف، ولكن وجودها يبقى مخفياً وإن مناهجها وتدريباتهم شفوية لمجموعة من الأفراد المختارين الذين يكرسون في أثناء دراستهم لنصوص العرفان الرئيسة. ومن بين أهم الشيوخ خلال القرنين الماضيين آية الله سيد مهدي بحر العلوم ، والملا حسين قولي حمدان ، والشيخ أحمد كربلائي وسيد علي قاضي طبطبائي تبريزي والعلامة سيد محمد حسين طبطائي وسيد هاشم حداد ومحمد جواد أنصاري والعلامة سيد محمد حسين طهراني، كل هؤلاء الرجال هم ضمن أبرز العلماء في فارس والعراق ونالوا الاحترام فقط ليس لكونهم علماء دين ولكن أيضاً كرجال مقدسين نسبت إليهم غالباً المعجزات.
وسيكون لكل المجموعات التي ذكرت سابقاً بعد قليل صلات مع أضرابهم في جمهوريات آسيا الوسطى وبخاصة تلك الطرق التي أُجبرت على السرية خلال الاحتلال السوفيتي وبدأت تظهر إلى العلن في الدول المستقلة حديثاً. وإن كان التاريخ دليلاً فإن إيران سوف تستمر في أن تكون مصدر الإلهام للمسلمين المتصوفة في هذه المنطقة.
لقد فتح المسلمون آسيا الوسطى خلال خلافة معاوية بن أبي سفيان وبعد احتلال المغول لبغداد عام 1258م أصبحت الصوفية القناة الرئيسية لانتشار الإسلام في آسيا الوسطى، وبمقارنة التصوف بالاتجاهات الإسلامية الأخرى فإن انتشار الصوفية كان أسرع وذلك بسبب انفتاحها وتقبلها للأديان الأخرى وتأكيدها الواضح والبسيط على البساطة والتقوى والنقاء. واستمرت العملية متسارعة في الفترة العثمانية (القرن 14-18م) وفي الحقيقة أصبحت مدن أواسط آسيا الرئيسية مثل بخارى وسمرقند مراكز رئيسية للعلم حيث أصبحت مركزاً لمئات المدارس، فمدرسة خراسان التي ظهرت ومثلها شخصيات بارزة مثل بايزيد بسطامي، والحاكم الترمذي، وأبو ناصر سراج، وأبو الحسن خرقاني، وعبد الرحمن سلامي لاقت شعبية واسعة في خراسان العظمى(آسيا الوسطى)

[ Next Thread | Previous Thread | Next Message | Previous Message ]


[ Contact Forum Admin ]


Forum timezone: GMT-8
VF Version: 3.00b, ConfDB:
Before posting please read our privacy policy.
VoyForums(tm) is a Free Service from Voyager Info-Systems.
Copyright © 1998-2019 Voyager Info-Systems. All Rights Reserved.