VoyForums
[ Show ]
Support VoyForums
[ Shrink ]
VoyForums Announcement: Programming and providing support for this service has been a labor of love since 1997. We are one of the few services online who values our users' privacy, and have never sold your information. We have even fought hard to defend your privacy in legal cases; however, we've done it with almost no financial support -- paying out of pocket to continue providing the service. Due to the issues imposed on us by advertisers, we also stopped hosting most ads on the forums many years ago. We hope you appreciate our efforts.

Show your support by donating any amount. (Note: We are still technically a for-profit company, so your contribution is not tax-deductible.) PayPal Acct: Feedback:

Donate to VoyForums (PayPal):

Muhammad, the Prophet of God

Who is He?!

محمد رسول الله
صلى عليه الله و سلم
إذا ما سئلت في الغرب عن مصدر إعلامي حول سيرته

شبكة عجور الحاسوبية
Login ] [ Contact Forum Admin ] [ Main index ] [ Post a new message ] [ Search | Check update time | Archives: 123[4] ]

Subject: 2الثورة الأندلسية الكبرى


Author:
No name
[ Next Thread | Previous Thread | Next Message | Previous Message ]
Date Posted: 07:29:21 03/29/07 Thu
In reply to: 's message, "يوميات هروب من الأندلس إلى مراكش 1599" on 04:22:54 03/27/07 Tue

الثورة الأندلسية الكبرى

2

٢ - اسباب اندلاع الثورة الأندلسية الكبرى

قاد كارلوس الخامس حروباً دولية ضد العثمانيين والفرنسيين والبروتستانت لكنه لم يتمكن من قهر أي من أعدائه الثلاثة فهرب من جبال المشاكل التي واجهته إلى هدوء دير يوست حيث تصومع ومات بعد سنتين من تنازله عن العرش لابنه فيليب عام ٦٥٥١. ويقول من درس سيرة فيليب الثاني انه كان ذكياً ونشيطاً لكنّه لم يكن قادراً على التمييز بين الغث والسمين. وكان فيليب يصرف وقتاً طويلاً قبل اتخاذ قرار ما وعندما يتخذه لا يتابع تنفيذه حتى النهاية. وربما تعامل ببرود شديد مع قضايا ساخنة تستوجب حلاً سريعاً، وربما اهتم بقضايا هادئة فأجّج لهيبها كما حدث مع الأندلسيين في الجنوب عام ٨٦٥١. ولكاتب سيرة فيليب المؤرخ كبريرة القرطبي قول مشهور في فيليب هو أن ابتسامة الملك وخنجره قريبان جداً من بعضهما. إلا أن قلة رأت تلك الابتسامة لأنّ هذا الأمبراطور أمضى القسم الأخير من حياته يعيش حالاً قريبة من التنسّك والرهبنة في إحدى غرف قصره الهائل في الاسكوريال. وكان فيليب صاحب ممالك دوليّة عدّة لكنه لم يترك قشتالة يوماً واحداً، وكان قشتالياً وكاثوليكياً حتى العظم فأنفق أمواله وأموال قشتالة وذهب وفضة مستعمراتها في العالم الجديد على مقارعة أعدائه الثلاثة: البروتستانتية والإسلام وفرنسا، لكنه مات وكلٌ من الإسلام والبروتستانتية وفرنسا أقوى مما كانوا عليه في أي يوم من أيام حياته.

وبدأ فيليب حكمه معلناً الحرب على البروتستانت في كل مكان، عازماً على اجتثاثهم من أصولهم وتطهير الدنيا منهم وإذ بعمال محاكم التحقيق يكتشفون خليتين للبروتستانت في بلد الوليد واشبيلية ضمّت الثانية منهما أحد الأندلسيين. وكان رد فيليب سريعاً فحضر بشخصه الاحتفال بإحراق »الهراطقة« البروتستانت، وأطلق يد تلك المحاكم لتقفي كل معلومة أو إشاعة عن أي نشاط بروتستانتي في أي مكان من قشتالة. وكان ترويج الإشاعات عن اختراق البروتستانت قشتالة ذريعة لخنق أي معارضة أو انتقاد أو احتجاج، إذ لم تعتقل المحاكم في قشتالة وأرغون أكثر من 300 »مهرطق إصلاحي« في كل سنوات حكم فيليب الثاني. أما الحرب الحقيقية ضد الإصلاحيين فكانت تدور طاحنة دامية في هولندا حيث أحرق عمال محاكم التحقيق الآلاف. وكانت الحرب تلك شاملة لا تنازل فيها ولا هوادة، ولم يكن فيليب الثاني يأتمن الكاثوليكية حتى على البابا كما اتضح عندما سيّر القائد العسكري دوق ألبة إلى الفاتيكان على رأس جيش من 12.000 جندي فأخضعه. وحين تحركت فرنسا للدفاع عن البابا بيوس الرابع كان الوقت فات، ولم يتمكن قائد الجيش الفرنسي دوق غيز من إحراز أي تقدم في هجومه على نابولي فقال قولته الشهيرة: »لا بد أن الرب أخذ الجنسية الأسبانية«.

وبينما كانت البروتستانتية تكتسب مؤيدين جدداً بفعل اضطهاد عمّال فيليب الثاني لهم، كان العثمانيون يتقدمون في البحر الأبيض المتوسط ويقدمون المساعدات التي حققت للمتحالفين العرب معهم انتصارات مهمة إنطلاقاً من المواقع البحرية في الساحل المغاربي. وفي عام ٠٦٥١ حاولت أساطيل إسبانيا وإيطاليا احتلال جزيرة جربة التونسية بغية استخدامها قاعدة للانقضاض على طرابلس. ولم تخفق هذه المحاولة فقط بل شجعت الأتراك على تشديد الضغط على السواحل الأسبانية واقترب اسطولهم من جزيرة ميورقة عام 1561 مما دفع فيليب الثاني إلى التفكير في إجلاء سكانها. وفي ظل هذه المخاوف التي سيطرت على فيليب الثاني بدأت إثارة مسألة الأندلسيين في كل من غرناطة وبلنسية. وفي حين اعتبرهم بعض مستشاري فيليب الثاني حلفاء طبيعيين للعثمانيين المسلمين مثلهم، أو طابوراً خامساً على الأقل، مما يستوجب الحذر منهم والوقوف معهم موقفاً حازماً، رأى آخرون أن استعداءهم يمكن أن يؤدي إلى مشاكل لا ضرورة لها، لذا أشاروا بأهمية كسب الأندلسيين إلى جانب إسبانيا واستمالتهم.

واستمر الجدل في شأن السلوك الأفضل تجاه الأندلسيين في بلاط فيليب الثاني في الوقت الذي ساد في مملكة غرناطة نفسها جدل آخر أدى إلى زيادة الوضع المعقد أصلاً في غرناطة تعقيداً. ولهذا التعقيد أسباب عدّة أهمها الصراع على السلطة في المملكة ومحاولة كل جهة متنفذة هناك إعلاء مصالحها على الجهة الأخرى خصوصاً ما اتصل من تلك المصالح بالأراضي الأندلسية والتجارة والضرائب. وفي مملكة غرناطة كان الحاكم العسكري على خلاف مع محكمة التحقيق وكانت محكمة التحقيق على خلاف مع المجلس البلدي وكان المجلس البلدي ضد رئيس الأساقفة، وكانت المحكمة العليا تخالف الجميع لأنها تعتقد أن رأيها أصوب الآراء. وتفاقم الصراع بين هذه الأطراف كافة واستاء الغرناطيون فاستنجدوا بفيليب الثاني. وانتظر فيليب طويلاً قبل أن يقرر تحرّي الوضع. ولما أرسل في نهاية التفكير مبعوثاً خاصاً لحل الخلافات بين القوى المتناحرة في غرناطة على الأراضي اشتبك المبعوث مع الجميع وبدا أن تدخلاً شخصياً من جانب فيليب الثاني هو الكفيل فقط بوضع حل لكل تلك المشاكل.1

وما هي طبيعة هذه المشاكل؟

يُظهر استعراض الوضع في مملكة غرناطة مطلع عام ٨٦٥١ أن مراكز القوى الأساسية لم تتغير في صورة جذرية خلال أكثر من ٠٧ سنة. وجاء على رأس أهم المناصب في المملكة الحاكم العسكري الذي ظل محصوراً بأسرة مندوزا المتنفّذة منذ أيام تندله. وحمل خلفه في المنصب لقباً إضافياً هو مركيز مندخار، فيما عُرف الحاكم العام الذي تسلّم منصبه عام ٣٤٥١ بلقبين هما مركيز مندخار والكونت تندله الرابع إلا أن اسمه الحقيقي هو إيناغو لويس دي مندوزا. وكان الحاكم العسكري أكثر ارتباطاً بالأندلسيين من غيره لأن احدى مهامه كانت تحصيل الضرائب منهم، وكان وجود علاقة عمل جيدة معهم مهمة أساسية بالنسبة له لتسهيل استضافة الجنود في بيوت الأندلسيين خلال أيام السلم لخفض نفقات إعالتهم. وقدم الحاكم العسكري للأندلسيين في مقابل هذا التعاون دعماً محدوداً وشيئاً من الحماية والتوسّط لدى محكمة التحقيق في غرناطة. إلا أن ارتباط مصالح الحاكم العسكري والأندلسيين سبّب ارتباكاً في وضع الأندلسيين فكان يتحسن أو يتردّى بتحسن أو تردّي نفوذ الحاكم العسكري لدى البلاط الملكي. وتمتع الحاكم العسكري في غرناطة بنفوذ قوي حتى نهاية النصف الأول من القرن السادس عشر، إلا أن أسرة متنفذة أخرى هي اسرة فخاردو بدأت تنافس اسرة مندوزا بعد تلك الفترة. وفي السنوات التي سبقت قيام الثورة الأندلسية الكبرى أثارت ثروة مركيز مندخار الحسد فكثر الخصوم والأعداء وتحسّنت شعبية منافسه مركيز بلش مالقة الثاني، وسارت الاسرتان القويتان في طريق الصدام. وحدث عام ٥٦٥١ أن اعتقلت السلطات ثلاثة أندلسيين ادعت بعد تعذيبهم أنهم اعترفوا بوجود خطة لاستقدام الأتراك2 إلى قشتالة فاتهم مركيز مندخار بالتقاعس عن أداء واجبه وبدأ الجنود يتعاملون بريبة وخوف مع مستضيفيهم.

أما المركز المهم الثاني فهو منصب رئيس أساقفة مملكة غرناطة الذي سمَته إيزابيلا لطلبيره قبل أن تبعث إلى غرناطة بخيمينس الذي جمّد صلاحيات طلبيره وبدأ محاولة تنصير الأندلسيين التي أدت إلى اندلاع الثورة الأولى. وفي عام 1546 تسلم بدرو غيريرو منصب رئيس أساقفة غرناطة وحاول هو الآخر، كما فعل طلبيره من قبله، اتباع سياسة معقولة مع الاندلسيين لكسبهم إلى جانب الكنيسة وأوصى الكنسيين الآخرين بسلوك النهج نفسه لكن جهوده ذهبت أدراج رياح التعصّب. وحدث عام ٥٦٥١ أن رافق غيريرو إلى الاجتماع الكنسي البابوي الذي عُقد في ترنت (بإيطاليا) دييغو دي اسبينـوزا رئيس مجلس قشتالة المحقق العام السابق لمحاكم التحقيق. وهناك سمع الإثنان انتقاداً شديد اللهجة من البابا بيوس الخامس (٤٠٥١-٢٧٥١) لمبدأ »التسامح« الذي تنتهجه الكنيسة القشتالية في مملكة غرناطة وحضهما على تغيير تلك السياسة على الفور.

ولم يكن بيوس الخامس من الباباوات العاديين إذ اشتهر بتزمته وعصبيته الكاثوليكية القوية، وسعى إلى فرض معايير ورع صارمة على رجال الكنيسة وعلى الكاثوليكيين في كل مكان. وفي عهد هذا البابا كان زمن المصالحة المسيحية ولّى لذا كان من أشد المعادين للحركة البروتستانتية ومن أشد المتحمسين لجهد مسيحي يتصدى للإسلام. وسيلعب بيوس دوراً حاسماً في تشكيل حلف بين البندقية وإسبانيا لشن حملة بحرية حاسمة ضد العثمانيين عام ١٧٥١، إلا أن انتقاده الكنيسة القشتالية لتسامحها مع الغرناطيين في ترنت كان انتقاداً غير مباشر للملك فيليب الثاني الذي لم يكد يسمع تقرير دي اسبينوزا حتى أمر بتنصير الأندلسيين بأقصى سرعة ممكنة وإزالة آخر لطخات الهرطقة من قشتالة.وفي السابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1566 استكملت لجنة مشتركة صياغة بنود مشروع مرسوم آخر »لإصلاح« أحوال الأندلسيين صادق عليه فيليب الثاني وصدر مطلع كانون الثاني (يناير) من ٧٦٥١.

الأسباب الاقتصادية

قام اقتصاد غرناطة على انتاج الحرير وصناعة الملابس الحريرية والزراعة والتجارة بالمواد الغذائية وغيرها والصناعات الخفيفة والخدمات بسائر أنواعها. وحظرت السلطات على الأندلسيين أي وظائف عسكرية وحكومية ومدنية مهمة ارتبط شغلها بامتلاك شهادة تثبت نقاء دم المتقدم اليها من »شوائب« أصحاب الدماء الأخرى مثل المسلمين أو اليهود، والتأكيد بما لا يقبل الشك أنه من النصارى القدماء أو أنه ينحدر منهم مباشرة. ولم تنطبق هذه المواصفات على معظم الأندلسيين إلا من استطاع منهم الحصول على شهادة مزورة، ولهذا اشتغل الأندلسيون بمهن حرة كثيرة في مملكة غرناطة وخارجها بعضها من النوع الذي يمكن تسميته بـ»الوضيع«. لكن هذه المهن كانت تُدّر سيولة دائمة فتراكمت ثروة الأندلسيين الذين اشتهروا بالحرص. وكان من بين الغرناطيين عدد كبير من المزارعين إضافة إلى أعداد من التجّار الصغار والحرفيين والعمال الذين كانوا يشتغلون في مصانع تكرير السكر وصناعة الصابون والورق والتبغ. ويبدو أن أندلسيين كثيرين اشتغلوا في الموانىء في تفريغ البضائع ورفعها إلى السفن ونقل البضائع على البغال والحمير وأعمال أخرى متدنية الأجر. وبرع الغرناطيون في صناعة الأقمشة والملابس الحريرية وتجارتها كما تشهد على ذلك سوق الحرير المشهورة في غرناطة المعروفة باسم »القيصرية«، ووظفوا في هذه الصناعة القسم الأكبر من ثروتهم، واحتفظوا بالباقي ذهباً أو أحجاراً كريمة لسهولة نقلها وإخفائها. وربما وجد الباحث بين الأندلسيين عدداً من الأثرياء لكن غالبيتهم كانت تعيش على مستوى متدن من الدخل، وكان الأندلسيون معروفين بجدّهم ونشاطهم ومهارتهم لذا لم يفتقروا في معظم الحالات إلى عمل يقومون به.

وتواترت الضغوط السياسية والدينية في مملكة غرناطة في وقت عانى فيه الاقتصاد الغرناطي من صعوبات جمّة نتيجة قرارات حكومية سابقة. إذ قررت قشتالة منع تصدير الحرير المصنوع في غرناطة إلى العالم الجديد لدعم هذه الصناعة في مناطق قشتالية أخرى فضرب الكساد الحاد هذه الصناعة. ثم عادت الحكومة عام ٢٦٥١ وفرضت ضرائب عالية على صناعة الحرير لتعزيز دخل الدولة بهدف تمويل الحروب فتضرر المنتجون كافة لكن الغرناطيين كانوا أكبر المتضررين. ولم يستطع القطاع الزراعي في الاقتصاد الغرناطي تعويض العجز الذي سببه تضرر صناعة الحرير نتيجة ارتفاع حاد في حالات مصادرة الأراضي الأندلسية بعد اتهام أصحابها بالهرطقة. وفاقم هذا الوضع شروع السلطات الحكومية في عملية واسعة هدفها إعادة جرد الأراضي الميرية التي ادعى العرش ملكيتها في غرناطة ومصادرة أراض أندلسية زعمت أنها ملك الأمبراطور وصلت مساحتها، حسب بعض التقديرات الحديثة، إلى نحو خمسة آلاف كيلومتر مربع.

وفي تلك الفترة بات معظم الأراضي الأندلسية تابعاً للتاج أو الكنيسة أو محاكم التحقيق أو النبلاء كبارهم وصغارهم، ورافق ذلك استمرار السلطات في فرض ضرائب عالية على الأندلسيين. وخلال هذه الفترة العصيبة كانت السلطات تنتظر استمرار أندلسيي غرناطة في تقديم الدفعات التي اتفقوا على تسديدها لكارلوس الخامس أولاً ثم لفيليب الثاني حتى زاد مجموع ما قدموه بين ٨١٥١ و٨٦٥١ على نحو ١٢٦ مليون مرابطي، أي أكثر من ثلاثة أرباع تكاليف الحرب ضد مملكة غرناطة آخر القرن الخامس عشر. ومع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية لم تعد الأسر الغرناطية قادرة على تقديم الخدمات التي اعتاد عليها الجنود النازلون في ضيافتها فساد التذمر وعم الاستياء من الجهتين. ووجد عدد كبير من الغرناطيين قبيل اندلاع الثورة أنه لم يعد قادراً على تسديد الضرائب الحكومية التي بدأت تزداد بسرعة في ذلك الوقت، ولم يعد حتى راغباً في العمل الذي لم يعد يستفيد شخصياً من معظم الدخل المتأتي منه.

الأسباب الأجتماعية

عاش الأندلسيون منذ تسليم غرناطة غرباءً في وطنهم وتعاملت معهم السلطات كأقلية مشبوهة التصرفات والدوافع ونظرت إليهم الكنيسة كأعداء للكاثوليكية واعتبرت عاداتهم الطبيعية خارجة عن نطاق المألوف ولغتهم العربية لغة نجاسة وامتناعهم عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر من مظاهر العداء للكاثوليكية. وتقود مئات الحالات الموثقة إلى الاستنتاج بأن الأندلسيين كانوا مضطهدين ومراقبين ومشبوهين في كل مكان عاشوا فيه، إلا أن درجة اضطهادهم كانت تتفاوت من غرناطة الى قشتالة الى بلنسية.وكان ارتفاع حدّة هذا الاضطهاد وانحساره يرتبطان بعدد من العوامل المحلية والدولية والاجتماعية والدينية التي واجهت قشتالة خلال القرنين اللذين سبقا نفي الأندلسيين مطلع القرن السابع عشر. وكانت إيزابيلا وحفيد حفيدها فيليب الثاني من بعدها رأس حربة اضطهاد الأندلسيين ممثلة بمعظم هياكل السلطة. وفي الحالات التي خفّت فيها حدّة هذا الاضطهاد لقاء »تقدمات مالية« أو ضرائب إضافية نرى الكنيسة القشتالية تتقدم بسرعة لتأجيجه فينساق وراءها جمهور قشتالة المشتكي دائماً من أن الأندلسيين »مكثرون في الإنجاب والعمل؛ مقلون في الإنفاق«. وحتى عندما كانت الكنيسة القشتالية تنشغل بهمومها ومتاعبها الداخلية وتبدأ قبضة رجالها بالتراخي نسبياً، نجد البابوية تتدخل لتتهم الكنيسة القشتالية بالتقاعس عن أداء واجبها الكاثوليكي وتحضها على تجديد الحملة على الأندلسيين.

وهكذا كان استمتاع الأندلسيين بأي قسط من الهدوء النسبي يتطلب وجود الهدوء على الجبهات السلطوية والكنسية والبابوية الثلاث، لكن القرن السادس عشر كان عاصفاً فلم يعرف الهدوء إلا في حالات معينة فقط. وحتى في هذه الحالات المعينة ربما أضافت أسباب اخرى نفسها إلى القائمة الثلاثية. فإذا انشغل الملوك بإشعال الحروب في أوروبة، وانشغلت محاكم التحقيق بملاحقة البروتستانت، وانشغل البابوات بجمع الكتب واقتناء الأثريات وملاحقة أمور الدنيا نجد دائماً أسباباً اقتصادية جلبت الاضطهاد إلى الأندلسيين، لذا لم يكن القشتالي العادي متأكداً دائماً كيف يستطيع أن يضيف أي قسط من الطبيعية إلى تعامله مع الأندلسيين العرب المسلمين وهو لا يزال يشتري صكوك الغفران التي استمرت الحكومة في تسويقها بموافقة البابا لتمويل الحملات ضد الإسلام فإذا بندها في الموازنة الحربيّة الصليبية يخضع إلى مناقلة مفاجئة فتنتهي مخصصاتها إلى تمويل الحروب ضد فرنسا والبروتستانت بدلاً من المغاربيين والمصريين والفلسطينيين.

ونجد في قشتالة سياسة رسمّية وكنسية منتظمة تقوم على استمرار ضمان تردي العلاقات بين الأندلسيين والقشتاليين وتنفير الجانبين من بعضهما باستخدام تشكيلة متنوعة من المخاوف الدينية والعسكرية والاجتماعية. ومرّت أوقات شيّد خلالها الفريقان القشتالي والأندلسي حواجز في الأحياء المشتركة التي كانا يعيشان فيها فصلت بينهما وبين تباينهما فتأتي السلطات وتزيل تلك الحواجز كي يبقى الاحتكاك مستمراً وبالتالي التنافر. وكانت السلطة والكنيسة تفرضان في حالات كثيرة أن يعيش الأندلسيون بين المسيحيين القدامى، لذا نجد الأندلسيين في حال تنقل شبه مستمر. وكان إصرار السلطة والكنيسة على استبقاء عناصر التنفير حيّة يتجلّى في حالات كثيرة فلم يكن يكفي مثلاً توقيع عقوبة السجن بالمذنب الأندلسي أو مصادرة أملاكه، بل كانت السلطات المدنية والكنسية تجبره على ارتداء ملابس أو قبعات بعلامات مميزة معينة كي يعرفه الجميع ويحذروا منه ويتابعوا اضطهاده.

أما بعض العقوبات الأخرى فكان نفسانياً وعلى مدى طويل ومن ذلك اقتضاء بعض العقوبات على النساء منعهن من ممارسة انوثتهن بحرمانهن من التجمّل بالذهب أو الفضة أو الأحجار الكريمة أو حتى ارتداء الملابس الحرير والأقمشة الناعمة. وانتج المجتمع القشتالي المُسمم الآراء والمعتقدات المُسممة مثله فبدا معظم ما يمكن أن يفعله الأندلسي مشبوهاً، وصار همسه صلاة محتملة وتمتمته تعرّضاً للكاثوليكية ووقوفه مع أبناء جلدته مؤامرة يجب الحذر منها. وهبط بعض التأويلات إلى مستوى الهذر فمثلاً تعوّد الأندلسيون تناول الخضر والفاكهة بحكم العادة والطبيعة فيما أقبل القشتاليون على اللحم المقدد. وكان تباين المأكول أحد أسباب عافية الأندلسيين، لكن طلع من القشتاليين من يدعي أن الأندلسيين يمارسون السحر والشعوذة لإطالة أعمارهم.

ويجب دائماً تفادي إطلاق الإتهامات الشاملة التعميم فمن بين الإسبان والإسبانيات من أحبّ الأندلسيين وحماهم وتعاطف معهم وأخفاهم في بيته وتستّر على ممارساتهم بالكذب على السلطات الحكومية والكنسية وحتى على عمّال محاكم التحقيق، لكن يجب ألا تخفي هذه الاستثناءات قاعدة واسعة جداً ضمّت القسم الأعظم من الإسبان. ويمكن في حالات معينة فهم سبب مخاوف القشتاليين العميقة لأن الصراع مع الأندلسيين لم يكن فقط صراعاً دينياً وحضارياً بل أيضاً صراعاً على الأرض مردّه الخوف من أن يتمكن الأندلسيون يوماً من استرداد الأرض التي انتزعها الإسبان منهم. ومن السهل بعد أخذ كل هذه العوامل في الاعتبار معرفة السبب الذي حوّل الإسبان إلى أكبر جهاز مخابرات في العالم آنذاك فكان معظمهم عيون وآذان السلطة ومحاكم التحقيق. وشجع حماس عمّال المؤسستين لملاحقة أتفه الاتهامات جمهوراً واسعاً من الإسبان على التمادي في الوشاية فصار تناول وجبة الكسكسي المغربيّة مظهراً عروبياً يستأهل التحقيق، ومثله الجلوس على الأرض والنوم على المرتبات بدلاً من الأسرّة، والاغتسال وعشرات العادات الطبيعية الأخرى. وفي هذا الجو المشحون بالتجسس والنميمة والترصّد والتسابق على الوشاية، بات ممكناً اتهام الزوجة القشتالية زوجها الأندلسي بمعاداة الكاثوليكية إن نفر من فراشها، واتهام القشتالي جاره الأندلسي بالعداء للدولة إن اشتكى من الضجيج، واتهام رب العمل عامله الأندلسي بالتوجه إلى الصلاة إن غاب يوم الجمعة، واتهام الأندلسي بمعاداة الملك إن اشتكى من ارتفاع الضرائب.

ونجد عدداً كبيراً من الحالات التي تقصّد فيها القشتاليون الإيقاع بالأندلسيين فربما لا يدعو القشتالي جاره الأندلسي إلى بيته لتناول الطعام طول السنة لكن ما أن يحل شهر رمضان حتى تنهمر على الأندلسي الدعوة تلو الأخرى من جار تلو الآخر، وكان يكفي ان يعتذر الأندلسي عن تناول الطعام مرتين أو ثلاثاً لاتهامه بأداء فريضة الصوم وسوقه إلى محاكم التحقيق. وخارج رمضان كان قشتاليون كثيرون يتعمّدون عرض الخمر على الأندلسيين أو تقديم لحم الخنزير أو الطعام المطبوخ بهذا اللحم. وكان الاعتذار عن شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير سبباً لاتهام الأندلسيين بنبذ الكاثوليكية والتزام الإسلام. وتوجد حالات كثيرة سعى فيها القشتاليون إلى إثارة الأندلسيين لدفعهم إلى التعبير عن مكنونات صدورهم في لحظات غضبهم والوشاية بهم إلى السلطة أو إلى عمّال محاكم التحقيق. إلا أن هناك استغلالاً واضحاً حتى لحالات إنسانية بحتة فيكفي اتهام الأندلسي بالهرطقة إن نطق فجأة بكلمة »الله!« إن رأى شخصاً يقع أمامه. وفي الامكان تصوّر حالات كثيرة من الوشاية الافترائية التي كان غرضها الأساسي الغيرة والحقد ومحاولة السطو على أملاك الأندلسيين أو استضعاف زوجاتهم أو بناتهم.

وربما أعطى ما تقدم الانطباع بأن الهوة التي فصلت معظم الأندلسيين عن معظم القشاتلة كان أساسها الدين، غير أن الوقائع تثبت أن الدين كان مظهراً واحداً. فحتى لو أصبح الأندلسي كاثوليكياً صالحاً كان من السهل اللجوء إلى الاختلاف العرقي، لذا لم يكن هناك فرق هائل لدى القشاتلة في تعيير الأندلسي بأنه مسلم أو عربي. وكانت الصفتان مشتركتين تكمّل احداها الأخرى ويمكن بسهولة ومن دون وعي أحياناً استخدامهما كمفردتين في قاموس ادانة الأندلسيين الواحد. ونجد في بعض وثائق محاكم التحقيق عدداً من الأمثلة على ذلك فها هي إيزابيلا الأمَة الأندلسية القاطنة في مدريد لم تستطع ضبط أعصابها والسيطرة على غضبها عندما شتمها أحد الإسبان بالقول: أنت كلبة العرب فردت عليه: »نعم! أنا عربية؛ وأبي وأمي كانا عربيين، وأنا عربية وسأموت عربية«.3 وفي مثال آخر يتعرض أهل قرية تيناخاس من أعمال مدينة قونقة لصبي أندلسي فيعيرونه بوصف »العربي« فتتأثر أمّه وتصيح غاضبة وهي تمسك بيده: »العربي أفضل من المسيحي« فإذا بها تُرمى في السجن وتكبل قدماها بالحديد وتُصادر كل أملاكها.4

أما الذي كان يثير بعض القشتاليين أكثر من أي شيء آخر فهو حب الأندلسيين للمرح على رغم كل الضغوط. وحتى في الحالات التي وصل فيها التقييد والحصار إلى الأوج كان الأندلسيون ينظمون حفلات الرقص والغناء والطرب، ويتابعون الحياة في الصورة التي يقدرون عليها. إلا أن أحوال الأندلسيين تردت فجأة وبسرعة في الفترة التي سبقت انفجار الأزمة ووجدوا أمامهم مرسوماً جديداً قيدهم من لحظة الولادة إلى لحظة الموت، ووضعهم تحت المراقبة في الطريق والعمل والبيت، ولم يعد في استطاعتهم حتى إغلاق أبواب بيوتهم إذ كان من حق أي قشتالي الوقوف بالباب ومراقبة ما يفعله أهل الدار. وبعد تخريب العلاقات بين الأندلسيين والقشتاليين جاء دور تخريب العلاقات بين الأندلسيين انفسهم فساد تشجيع الأولاد والبنات على الوشاية بآبائهم، والاخوة بالأخوات، والجار بجاره وبدت قدرة السلطة والكنيسة على الضغط على الأندلسيين بلا نهاية أو حدود أو أخلاق أو رحمة.

الأندلسيون والكنيسة

انتظرت الكنيسة القشتالية تحوّل الأندلسيين إلى كاثوليك عن اقتناع ورضى وطيب خاطر، ثم غيّرت سياستها فرغّبت بالمال والهدايا والوعود ثم رهّبت بمصادرة الأرض والحرية والسجن والحرق من خلال محاكم التحقيق. وكانت الكنيسة القشتالية على رأس المنادين بتنصير الأندلسيين إلا أنها لم توفر الامكانات التي يمكن ان تساعد على تحقيق هذا الهدف. وحاول بعض الكنسيين (طلبيره مثلاً) ترجمة الإنجيل فعارضه رئيس أساقفة طليطلة. وكانت المواجهة الجدلية الكاثوليكية مع الأندلسيين تتطلب كنسيين مقنعين أول مواصفاتهم التمكّن من العربية (لغة من تريد تنصيرهم) إلا أنها لم تستطع تأمين ذلك وظلت غرناطة بلا رئيس للأساقفة سنوات طويلة، ولم تكن المواجهة الجدلية مجدية أو حتى ممكنة فيما المخطط القشتالي الخاص بالأندلسيين مخطط استئصالي.

وفي التاريخ الإنساني أمثلة كثيرة تثبت أن الاضطهاد الديني لم يقف في وجه انتشار دين المضطهدين بل ساهم في حالات كثيرة في تعزيزه في نفوس أصحابه وتعميمه على الآخرين. لذا يمكن التساؤل لماذا لم يتذكر خيمينس ورهطه، بل الكنيسة القشتالية كلّها، أن اضطهاد الرومان المسيحيين الأوائل كان بداية الطريق إلى نصرنة الأمبراطورية الرومانية؟. ولا نجد في تاريخ مساعي النصرنة القشتالية اجابة فربما لم تكن معرفة أبسط أحداث تاريخ النصرانية شرطاً مُسبقاً لشغل منصب مثل رئيس أساقفة طليطلة. ولا شك في أن نجاح الأندلسيين في بناء شبكة سرية هائلة عملت على تعزيز الشعور الديني الإسلامي وتبادل المعلومات والكتب الدينية، وحتى أسلمة بعض القشتاليين أو إعادة بعض الأندلسين المتنصرين إلى الإسلام، أفشل المساعي القشتالية المضادة. ولا شك في أن تمسك الأندلسيين بدينهم واستعدادهم في معظم الحالات للموت في سبيل معتقداتهم هو الذي وقف أمام محاولات التنصير القشتالية الجماعية. إلا أن الأندلسيين ربما كانوا محظوظين لأن سعاة تنصيرهم في قشتالة كانوا على شاكلة خيمينس الذي جاء غرناطة وأهلها يصلّون ويصومون ويعتزّون بعروبتهم، وغادرها وهم لا يزالون يصلّون ويصومون ويعتزّون بعروبتهم، وسنجدهم يصلون ويصومون ويعتزون بعروبتهم علناً يوم جمعتهم السلطات القشتالية لنفيهم بعد مئة وسبع سنوات من صدور مرسوم تنصير الأندلسيين الأول.

وما الذي جاء في مرسوم عام ٧٦٥١ ولم يأت به مرسوم ٢٠٥١؟

اختلف مرسوم الأول من كانون الثاني (يناير) عام 1567عن كل المراسيم السابقة لسببين: الأول أنه كان مرسوماً شريراً، والثاني إصرار فيليب الثاني على تطبيقه بحذافيره مهما كانت النتيجة. ومنع هذا القانون استخدام اللغة العربية منعاً باتاً، مثل سابقيه، لكنه فرض على الأندلسيين إتقان التحدث بالقشتالية خلال ثلاث سنوات. ومنع هذا المرسوم الوضوء، مثل سابقيه، لكن الأندلسيين كانوا يستعيضون عن الوضوء بالتحمم فجاء المرسوم الجديد ومنع الأندلسيين من دخول الحمامات. وتدرج المرسوم في محظوراته من المهد إلى اللحد فنص على وجوب إتمام كل مراسم الزواج والولادة والموت وفق طقوس الكاثوليكية من ساعة سريان المرسوم، وحظر الختان حظراً تاماً لأي سبب. وبعدما ضمن الزام الأحياء بنصوص الرسوم، انتقل إلى الأموات فكان يتعين على الأندلسيين أن يدفنوا موتاهم في نعوش مغلقة وفق طقوس قشتالة. وفرض حضور قابلة قشتالية مسيحية ولادة أطفال الأندلسيين، ووجوب إبقاء الأبواب مفتوحة. كما حظر ارتداء الملابس التقليدية والوقوف في اتجاه القبلة والزواج من أكثر من امرأة واحدة واستخدام الحناء. وحرم هذا المرسوم الأندلسيين من حق اللجوء إلى الكنائس طلباً للأمان فخرجت الكنيسة بذلك عن تقليد تمتعت به كنائس أوروبة منذ قيامها.

وفيما بدأ الأندلسيون المفاوضات مع السلطة لإعادة النظر في المرسوم، استمر معظمهم في تجاهله وتابعوا حياتهم كما تعودوا فإذا احتفلوا بقران في الكنيسة كانوا يعودون إلى بيوتهم ويتابعون احتفالهم على طريقتهم. وإذا عمّدوا طفلاً عادوا إلى البيت وغسلوا رأسه وسبّعوا. وإذا حان أجل أحدهم كانوا يخفون الأمر عن الكنيسة ويصلّون عليه بعد موته ثم يذهبون إلى الكنيسة ويقولون ان قريبهم مات على حين غفلة ولم يتمكنوا من استدعاء القسيس في الوقت المناسب. وتراكمت لدى السلطة تقارير عن هذه المخالفات فأوقفت المفاوضات مع الأندلسيين، ثم صدر الأمر بتعيين بدرو دي ديثا Pedro de Deza رئيساً للمحكمة العليا في غرناطة ودخل الطرفان مرحلة صدام تصاعدت حدته بسرعة عندما انقلب رئيس أساقفة غرناطة غيريرو من تبنّي سياسة الإقناع إلى الإكراه. ورافق هذه التحولات ازدياد سريع في مصادرات أراضي الغرناطيين لأسباب شتّى حتى انحصرت بسفوح جبال البشرات وجبال الجنوب الأخرى يزرعون في تلك المساحات الصغيرة ما يسد حاجتهم من الغذاء الضروري وما يوفر لهم بعض الإنتاج الإضافي الذي كان يُباع في القرى والمدن المجاورة.5 لكن وضع أهل مدينة غرناطة كان سيئاً للغاية مع استمرار تدهور صناعة الحرير وارتفاع الضرائب المفروض عليه فكسد البيع في القيصرية6 وضاق العيش.

وبذل مركيز مندخار جهداً اخيراً عندما رفع إلى فيليب الثاني يرجوه تأجيل تنفيذ المرسوم فترة لكن حظه لم يكن أفضل من حظ بعض مستشاري الملك الذين سبق أن تقدموا باقتراح مشابه. وهنا توجه وفد أندلسي إلى بلاط فيليب الثاني لاستعطافه فصرفه فعاد إلى غرناطة يجر أذيال الخيبة التي تحوّلت بسرعة إلى يأس ونقمة. »لو توافرت حكومة حكيمة وصادقة تحترم التعهدات التي أعطيت لدى تسليم غرناطة لتجنبت مخاطر هذه النقمة الخفيّة لكن حكام أسبانيا لم يتصفوا بالحكمة ولا بالصدق في تعاملهم مع الموريسكيين، بل أصبحوا أكثر قسوة وخداعاً مع مرور الوقت... لكن تجريد شعب بالجملة من مقوماته فاق الحد الذي يمكن أن يقبل به أي شعب، ناهيك عن شعب انحدر من أمثال المنصور وعبدالرحمن وابن السراج. وذات يوم نشب شجار بين الأندلسيين وبعض جباة الضرائب المحتالين فالتهبت المواد الهشة التي كانت مستعدة للاشتعال منذ زمن طويل، وقام بعض الفلاحين على الجنود المستضافين في مساكنهم فقتلوهم، وجمع صبّاغ من غرناطة يدعى فراس بن فراس Farax Aben Farax عصبة من الناقمين وفر إلى الجبال«7، والتحق بزعيم الثورة ابن أميّة.8

3- الثورة الأندلسية الكبرى

في الخامس عشر من نيسان (أبريل) عام 1568 بدأت اضطرابات محدودة في جبل البشرات تمكن جنود مركيز مندخار (الحاكم العسكري) من انهائها بسرعة. ومكّن الهدوء النسبي الذي لحق ذلك بدء انتقال أعداد من شبان مدينة غرناطة الى الجبال سراً للتدرّب على استخدام السلاح. وفي الثالث والعشرين من كانون الاول اعتقد الثوار ان عددهم كان كافياً للقيام بالخطوة التالية فشنوا هجوماً مباغتاً على مدينة غرناطة فيما كانت حاميتها تستعد للاحتفال بعيد الميلاد. وتمكن الثوار بقيادة فراس بن فراس من التوغل في المدينة والاشتباك مع جنود مركيز مندخار إلا أنهم لم يتمكنوا من أخذ المدينة فانسحبوا وعادوا إلى البشرات بعد ايقاع خسائر كبيرة بجنود الحامية، وبدأوا إزالة كل أشكال السلطة والكنيسة القشتالية في المراكز المحررة. وحيال هذا التطور أصدر فيليب الثاني أوامره الى مركيز مندخار بإخماد ثورة البشرات فقاد جيشاً من حوالي أربعة آلاف جندي إلى الجبال إلا أنه لم يشتبك معهم وبدأ بدلاً من ذلك مفاوضات لوقف الثورة آخذاً على عاتقه محاولة إقناع الملك فيليب الثاني برفع الضغوط عن الأندلسيين.

وأوقف الأندلسيون العمليات العسكرية فيما بدأ المركيز اتصالاته لاقناع الملك باعطاء الثوار فرصة إلا أن فيليب رفض الفكرة وأمر المركيز بقمع الثورة وضرب زعمائها ليكونوا عبرة لغيرهم ليس فقط في الجنوب وإنما في ممالكه الاخرى قاطبة. وفي هذه الأثناء أقدم بعض جنود المركيز على مذبحة في مدينة جبيل Jubiles راح ضحيتها عدد من الأندلسيين، وتعرضت مدينة لورة Laroles إلى هجمات مماثلة وفقد المركيز السيطرة على جنوده فأخذ هؤلاء يمارسون أعمال القتل بلا حساب فتحرّك الأندلسيون بسرعة وبسطوا سيطرتهم على البشرات. وفي غرناطة نفسها وصلت إلى الحامية إشاعات عن قيام الثوار الأندلسيين بقتل 90 قسيساً و1500 قشتالي فهاجم الجنود سجن البيازين وذبحوا مئة وعشرة أندلسيين كانوا فيه. »ولما سار مندخار الى السجن مع حراسه لإخماد الاضطراب قابله القائد بقوله: هذا غير ضروري فالسجن هادئ لأن جميع الأندلسيين أموات«.9 وأمام انفلات الوضع أقرّ مركيز مندخار بعجزه عن السيطرة على الوضع ووضع نفسه تحت إمرة فيليب الثاني. وكانت نار الثورة بدأت تستعر بسرعة وتنتشر في مناطق جديدة في الجنوب عندما بدأ الملك تدارس الوضع مع مستشاريه العسكريين.

[ Next Thread | Previous Thread | Next Message | Previous Message ]

Replies:
Subject Author Date
3الثورة الأندلسية الكبرىNo name07:30:40 03/29/07 Thu


[ Contact Forum Admin ]


Forum timezone: GMT-8
VF Version: 3.00b, ConfDB:
Before posting please read our privacy policy.
VoyForums(tm) is a Free Service from Voyager Info-Systems.
Copyright © 1998-2019 Voyager Info-Systems. All Rights Reserved.